مقدمة
أم زوجتي (أو حماتي) الراحلة الحبيبة .. أنوي منذ فترة ان أكتب عنها وعن وفاتها ولكن تتناقض مشاعري بين السرد للحكاية وبين بث مشاعري تجاهها وبين العظة والعبرة وبين فضح المجتمع الطبي المتهريء الأخلاق المهنية من وجهة نظري
سأحكي الحكاية وأحاول أن اجمع كل النواحي وسأشير إلى أم زوجتي لاحقا باسم ماما إلهام
ملحوظة هامة جدا : كثير من الأطباء المذكورين لاحقا هم ممن يشار إليهم بالبنان وهم عندي يستحقون أن يشار إليهم ولكن بالدعاء عليهم وأيضا أحكي الأحداث في إطار شخصية محورية وليس هذا سردا لكافة معاناتنا منهم وأعتقد أن كل من يقرأ كلامي يمكن أن يسرد قصص كثيرة تؤيد كلامي
ملحوظة أهم منها : المعلومات الطبية هنا مصدرها أطباء
___________________________________________________
هي :
أحببتها من يوم تزوجت وصارت لي أما إلى جانب أمي التي ولدتني (حفظها الله) وهي أيضا أحبتني كأبنائها بل ربما أكثر وكانت سري ومشورتي وشكواي (من زوجتي عندما يكون هناك ما يشتكى منه )
امرأة طيبة نقية على الفطرة .. تحب الناس جميعا ..وتتشبث بأي حق تتعلمه ..تجهد في رعاية أسرتها وتلم شملهم وتعاني قسوة الحياة وتصبر على قضاء الله كان لديها قدرة عجيبة على عدم التشكي مهما حل بها... تحب كل أحد ولا تحمل حقدا على أحد .. علمت بدون تفاضيل أنها عانت من فلان وفلان وفلانة وفلانة ولكن لم أعلم حتى الآن ماذا عانت وفيم ظلمت ولا ظهر عليها أبدا أن أحدا من هؤلاء ظلمها بل كانت تعامل هؤلاء بالبر والإحسان ولا يبدو عليها أبدا ما سمعت .
عام 1995
أعراض الصفراء وتشخيص من متطبب التهاب كبدي وبائي وكان هذا هو الاسم الشائع لفيروس سي الكبدي وقتها وعاشت هذه المشكلة فترة وبين متطبب ومتطبب ولايعلم ماهي المشكلة
حتى شخصها أحدهم أن المشكلة مشكلة مناعة ذاتية زائدة على ما فهمت وأن خلايا الجسم تحارب بعضها بعضا وهو ما يسمى Autoimmune
تابعت العلاج فترة واستقرت حالتها سنوات
من ضمن ما حدث لها خلال تلك السنوات اضطرابات في الهرمونات وفي أحد المرات زارت طبيبا لأمراض النساء وهو أستاذ في الجامعة وقرر أن لابد من إزالة الرحم وكان هذا يوم الخميس وكان مضمون هذا الفرمان أن الموضوع لا يتحمل التأخير وأنه لابد من إجراء العملية يوم الجمعة وأنه (وعلشان خاطرنا) سيجري لها العملية يوم الجمعة.
في حين عندما تأخر الموضوع ليوم السبت لم تمت ولم يقل طبيب أو طبيبة بهذا القول بل وزوجة هذا الطبيب نفسها خطأت هذا القرار(ماعلينا
عام 2005
11 يناير
توفيت جدة ماما إلهام (حدث ثانوي في القصة ولكن أذكره للموعظة)
16 فبراير
آلام باطنية وتنقل بين أطباء الباطنة والمسالك وأشعة وإعادة أشعة لوجود خطأ في الأشعة.
23 فبراير
عملية لإزالة كيس مائي وكان هو الضاغط على المسالك البولية.
26 فبراير
خرجت من المستشفى.
25 سبتمبر
قرر الجراح أنها تحتاج لعملية بواسير وأجريت العملية وبعد العملية طلب الجراح تحليل عينة مما استأصله والذي اتضح أنه ورم سرطاني (إنا لله وإنا إليه راجعون)
3 أكتوبر
بداية المتابعة مع أحد الأطباء المتحققين بأخلاق المهنة وهو مذكور في التدوينة السابقة حفظه الله ورعاه.
وتتابعت الأحداث أشعة مقطعية وكشف ومنظار وكشف والذي اتضح منه أنه يوجد سرطان في القولون وأنه ممتد لمسافة في المستقيم وكان الإجراء المقترح هو استئصال المستقيم وعمل مستقيم وشرج صناعي وقالوا إن هذه العملية تجرى ويعيش بعدها المريض حياة مستقرة
الله المستعان
طبيبنا الطيب ليس جراحا وليس الشخص المناسب للجراحة ففيه رحمة ورأفة ولكنه أشار بالرجل رقم واحد في هذا المجال
بدأنا في عمل الإجراءات لحجز دورها في الجراحة ولظروف شهر رمضان تأجل الموضوع لبعد العيد وأي عيد.
9 نوفمبر و10 نوفمبر وهما 7 و8 شوال
دخلت ماما إلهام المستشفى وكنت أنا من أوصلها وكانت هي صابرة محتسبة رابطة الجأش رحمها الله وشرطوا قبل إجراء العملية تأمين الدم اللازم وأن يكون ذلك الدم من نفس الفصيلة وكان كلما طلبنا متبرعين يوفقنا الله وكنت أنا وزوجتي ممن تبرع وكانت نفس فصيلتها وكنت سعيدا بذلك.
15 نوفمبر
أجريت العملية واستمرت أكثر من سبع ساعات (اللهم ارزق مرضانا الصبر والعافية وأثبهم)
كان الأطباء المعاونون الذين يخرجون من غرفة العمليات ويدخلون يسربون أخبارا غير سارة حتى عزى بعضهم الموجودين بالخارج تقول زوجتي التي كانت موجودة أنها لم تر الرجل رقم واحد سوى الساعة الخامسة مساء وكانت بداية العملية العاشرة صباحا وظنت هي أنه كان موجودا وخرج ودخل
ظلت ماما إلهام في العناية المركزة يومين.
جدير بالذكر أن زوجتي كانت مرافقة لوالدتها في الإقامة وأنها عانت الأمرين من أعوان الرحماء أقصد الممرضات والذين يتصرفون مع عباد الله بقسوة غير عادية والله عندما كنت أدخل المستشفى أخفض صوت نعلي كأنني أتسحب وهؤلاء يدفعون السرر بالمرضى ويرفعون اصواتهم وينامون ويتركون الغيار ويختفون لا تدري أين يذهبون يتسامرون مع بعضهن في أدوار أخرى الى آخر قائمة الفوضوية.
ساءت حالتها جدا بعد العملية وكان واضحا لكل ذي عينين أن العملية فشلت رغم أن الجميع يؤكدون نجاحها.
للإيضاح فإن إزالة المستقيم تتطلب فتح شرج اصطناعي في جانب البطن مع إزالة المستقيم وتوصيل طرف القولون بتلك الفتحة ما حدث هو كالآتي (المصدر أطباء من غرفة العمليات في تصريحات لنا بعد الوفاة وما قبلها) :
- الطبيب رقم واحد لم يحضر العملية من أساسه وتركها لمعاونيه وهم (عكوها) وفشلوا في إصلاح خطأهم اتصلوا به الساعة الرابعة وحضر الساعة الخامسة
- حاول إصلاح العملية وفشلت
- ودخلت هي في غيبوبة نتيجة فقدان الكثير من الدم واعتبروها ماتت
-لم يشأ الله سبحانه أن تموت هذه الميتة المغيبة
- العملية في قائمة العمليات باسم الطبيب رقم واحد والذي كان خارج المدينة كلها.
- الطبيب الطيب أوصى الطبيب رقم واحد بنا خيرا وقال إننا أقاربه
- المسافة التي فتحت عليها الفتحة الجانبية أقصر من أن يصل إليها القولون وهذاما ادى فيما بعد إلى انفصال القولون عن الفتحة وعدم التئام الخياطة وخروج الفضلات إلى داخل التجويف البطني (وتخيل)
حادث ثانوي : قام أحد الأطباء بالدخول للغرفة لإجراء الغيار وقام بكشف المريضة وتركها وعندما نبهته زوجتي طردها من الغرفة رغم أنها كانت من أشد المعاونين لهم وترك المريضة مكشوفة كنوع من الانتقام لحين انتهى من الغيار للمرضى الآخرين بل وجعل الممرضة تقوم بالغيار رغم التعليمات المشددة بأن يقوم الطبيب بالغيار وكان من نصيبه ما كان.
حادث ثانوي آخر :كانت زوجتي والمرافقات يقمن بمسح البلاط تحت إشراف العاملات.
استمرت هذه المعاناة حتى قرروا إصلاح العملية الأولى بعملية ثانية وخطتها كالآتي :
عمل فتحة أخرى على الجانب الثاني ونقل القولون إلى الجانب الآخر (ماشي أصلا تعلمنا أن هناك علاقة كبيرة بين الميكانيكا والجراحة)
29 نوفمبر
أجريت العملية التصحيحية وياللهول لم ينجح أحد بل ولم يحضر الطبيب رقم واحد أيضا ونفس السيناريو بل وقام رقم 2 بجريمة قتل نعم جريمة قتل قطع وعاءا دمويا ولم يميز أنه وعاء دموي فظنه قطعة من الأمعاء فخاطها في الأمعاء واتصل أيضا برقم واحد والذي أتى متأخرا أيضا رغم أن العملية باسمه
ساءت الحالة جدا وابتدأت تتكشف كل هذه المعلومات تدريجيا وكنا لا نعلم بهذه التفاصيل وكان أثناء ذلك يتقدم أحد الجراحين نحو زوجتي ويقول وبدون مقدمات : أنا والله لم أكن موجودا .
وبدأنا نسمع عن اجتماعات ليلية مطولة لإدارة المستشفى وإحالات للتحقيق ومثل هذه الإجراءات التي لا تؤثر في المعاقب ناهيك أن ترد روح الميت.
ديسمبر 15
قرروا وعلى أعلى مستوى استبعاد اسم الطبيب رقم واحد من العمليات وعمل عملية استكشافية لا يقوم بها رقم واحد بل يقوم بها رجل آخر (مش عارف رقم كام)
وما علمناه أنهم لم يفعلوا شيئا ولكن اكتشفوا أنهم لا يمكن أن يفعلوا شيئا
"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"
وما حدث نتيجة الخطأ رقم 2 هو أن التصق جدار البطق بالأمعاء في منظومة متقيحة لا يمكن فصلها وما حدث في العملية الثالثة أنهم تركوا البطن مفتوحا لم يخيطوه.
كانت هذه الأيام حالنا أننا ننتظر الوفاة بين لحظة وأخرى وكان كثيرون من حولها يتوفاهم الله على مدار اليوم
23 ديسمبر 2005
نصحونا بأن نأخذها للمنزل واتصلت بي زوجتي وقالت إن ماما توفيت عدت مسرعا فوجدت سيارة "تحت الطلب" تحت المنزل ووجدتهم قد أصعدوها.
حادث ثانوي : سألت السائق : حد حاسبك؟ قال : لا فحاسبته واتضح انهم كانوا قد دفعوا له (عادي الموت علينا حق والحي أبقى من الميت).
صعدت مسرعا فوجدت أنها لم تمت بعد والحمد لله أخرجت الجميع وخرجت رجوتهم أن يهدأوا ولا يرفعوا أصواتهم وكان أهلها مطيعين لي جدا والتزموا الهدوء وهذا من فضل الله وكنت أنا أشعر كمن هو في لجنة اختبار والوقت يوشك أن ينفد بين يديه..
وأغلقت الباب ومكثت أقرأ آيات الرجاء وكان مما قرأت كثيرا
"وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب"
وكنت أقطع القراءة وأقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وكانت هي في غيبوبة وخرجت من غيبوبتها ورددتها خلفي ثم ظلت تحشرج وتقول الحمد لله
وأنا لم أحضر محتضرا حتى الموت قبلها فجلست أقرأ وأدعو فدخلوا علي وقالوا لي إنها ماتت وأنا أقول لا فأخرجوني.
وأحضروا طبيبا كي يساعدهم في تجهيزها للغسل وكان أمرا صعبا جدا.
وصليت عليها في اليوم التالي وكانت جنازتها مشهودة
وحضر جنازتها قوم كثيرون منهم الكثير ممن ممرضات المستشفى والأطباء رغم أن الوفيات عندهم كثيرة وحضر بعضهم لعزائنا وجلسوا معي وكان ما لفت انتباههم أن هذه المرأة كان عندها صبر غريب واحتساب لم يعهدوه
وحكى هؤلاء الأطباء أجزاء من الحكاية والصورة الكاملة من جميع الروايات هي ما قصصته هنا
اللهم ارحمها وارحم أمواتنا وخفف عن مرضانا بحولك وقوتك.
اتصلت بعض المريضات بعد شهر من وفاتها ممن كن مرافقات لها وكانت حالتها أشد منها و.........
رأينا من الحالات من هم أشد منها مرضا خلال تلك الفترة والله المسئول أن يعفو عن الجميع.......
هذه المرأة تركت فراغا كبيرا في حياتي خاصة وحياة جميع من حولها ........
اختلفنا هل نحرك قضية ضد المهملين وكان يؤيدنا بعض الأطباء ولكن استقر الأمر على أن نفوض أمرهم إلى الله
"فكأنما قتل الناس جميعا"
خلال ثلاثة أشهر انتقلت هذه المرأة من امرأة ملء السمع والبصر إلى ما صارت إليه ولم نكن نفكر أو نظن أن يحدث كل هذا في هذه الفترة القليلة.
وما تعلمته ايضا أنه في كثير من الأحوال لا يمكن إلغاء الأثر السيء لمشرط الجراح.
علمنا بعد فوات الأوان أن ما كان يجب فعله هو أن نتقاول مع الطبيب في عيادته قبل إجراء العملية في المعهد.
اتفقنا أنا وهي عدة مرات خلال العشر سنوات السابقة على شراء مقبرة ولم يتم هذا الأمر حتى اشتريناها صبيحة يوم الجنازة وسويت وجهزت قبل صلاة الظهر.
في أحد أيام مرضها بين العمليات وكانت لا تتكلم طلبتني أن أدخل إليها وخرج الجميع قالت لي أنت ابني الذي لم ألده أنت نور عيني الذي أبصر به وظلت تدعو لي ولم يصدق أحد أنها تكلمت.