الخميس، نوفمبر 11، 2010

كنت في السعودية

رغم أنني تركت السعودية بكامل رغبتي وإرادتي وحبا للعيش في مصر أم الدنيا لأني لا أحب أن يكون عندي "بعبع"  أخاف منه كما كان زملائي جميعا هناك فتركت ذاك البلد وجئت إلى هنا حيث صعوبة الحياة لكي أعيش العيشة الطبيعية التي لابد لي من مواجهتها وأولادي

أثار رغبتي أن أكتب هذا  الكلام مقال كتبه أحدهم يعير أجيال التسعينات  بالرفاهية التي يعيشون فيها في هذا العصر المبارك  وثانيا لأنني قضيت أربعة أيام عجاف آخرهم كان اليوم لتجديد رخصة السيارة وليس ترخيص سيارة جديدة وارد جمارك مثلا وممن قابلتهم رجل اشترى سيارة زيرو وأخطأ الموظفون خطأ كلفه عشرات المرات من الحضور للمرور بل وأحدهم طلب منه أن يرجع إلى أسوان بسبب خطأ موظف نعم موظف ولكن النظام العام يكفل لهذا الموظف أن يخطيء .

كنت في السعودية في بداية التسعينات... وقبل سفري سألت صديقا أكبر مني لماذا لا ترجع قال هنا يوجد ضغط خفي على أعصابك في كل وقت أنت تخشى على نفسك دون أن تشعر
كنت أجدد رخصة السيارة  في ذاك البلد الموصوم بالتخلف في وقت لا يتعدى الساعة  يجري خلالها فحص بأجهزة ليست موجودة حتى الآن هنا قد تقول فلوس وبترودولار ووو ... أقول ههنا فلوس وههنا دولارات لكن نعرف جميعا كيف تنفق الأموال

لأجل تأشيرة قبل سفري من ملحق قنصلي بيت في الشارع أسبوعا كاملا ليلا ونهارا ونصب علي أحد النصابين.

أما هناك فكنت أعطي الأوراق لمكتب خاص وكان يحصل على  عشرة ريالات وتذهب على الأكثر بعد يومين لتجد أوراقك جاهزة.

السعوديون الموصومون بالتخلف يستخدمون الملفات على الكمبيوتر منذ عشرات السنين في حين أن أكوام الورق هنا تملأ مصالحنا.
السعوديون... تقوم بتجديد رخصة قيادة السيارة من أي مكان وليس مدينتك فقط وتستخرج مخالفاتك من الكمبيوتر في أي مدينة بل ولا تستطيع الخروج من البلد إذا كان عليك مخالفة لأن جميع الجهات مرتبطة بنفس قاعدة البيانات .. (تخلف بقى)

كان المصريون في تلك التسعينات يجلبون معهم الصابون والشامبو والبطاطين وكل ما يخطر في بالك من هناك بل والآن في عصرنا الزاهي يأتينا الشامبو مصنع في السعودية والإمارات والصابون من كافة بلاد العالم.

في تلك الفترة كانت السعودية القاحلة بدأت تزرع القمح وحققت الاكتفاء الذاتي منه في مشروع -قومي- أعتقد أنه أجهض لاحقا

في ذلك البلد الموصوم كانت البنوك تفتح فترتين بخلاف انتشار ماكينات الصرف الآلي في كل مكان.
في السعودية يوجد بلديات تهتم بجمع القمامة بل ولا تترك سيارة قديمة متربة تشوه مظهر الشارع ولا يتسثني من ذلك شوارع صغيرة أو كبيرة
ناهيك عن توفر صناديق القمامة في كل ركن وكل مكان.
رأيت في السعودية  غسل السيارات في الشارع جريمة

رأيت في السعودية أي عمال يصلحون الطرق أو الصرف أو غيرها يضعون علامات تحذيرية قبلها بمدة ورأيتهم يخصصون طرق تحويلة ويتم انارتها بألوان مميزة  ويتم رصفها بشكل كامل ومتقن كبديل لأي إصلاح أو تعديل في الطرق.

رأيت في السعودية في كل الشوارع إشارات ضوئية للمشاة بينما نرى في مصر السيارات تطحن المشاة

رأيت في السعودية رجال الشرطة يحترمون أيما احترام المرأة والرجل الذي معه امرأة أو عائلة
رأيت هواتف الطواريء في كل الشوارع ولا يتعدى وقت حضور الشرطة خمس دقائق في كافة الطرق توجد حارات للطواريء لكي تقف فيها عند حدوث الطواريء


تعطلت سيارتي في يوم عاصفة على طريق ولم أجد من يصلحها فأصلحها لي رجلان من رجال الشرطة

الأسعار هناك في الاستراحات على الطرق نفس أسعار المدينة ولا يتم رفع أي أسعار إلا بترخيص ومنشور حكومي ..

في ذلك الوقت كانت السيارات هنا تمشي على سرعة 40 و60 لأن الطرق كانت مكسرة ولا زالت تقريبا  بينما كان القوم الاستهلاكيون هناك يسيرون كما يشاؤن .

رجال الشرطة هناك كانوا يقفون في كل ركن في الأسواق كما كانت هناك مواعيد للأسواق.

كانت سيارتي هناك موديل 1985 وكان يعتبر  قديما وعندما عدت إلى هنا لم استطع شراء سيارة سوى موديل 1979 بفضل الجمارك

هناك يوجد سيارات ترش الزرع في الشوارع بشكل منضبط بوقت لا تخل به.

كان المعهد الذي أعمل فيه فيه 500 طالب وكان لدينا 6 معامل حاسب آلي متصلة بشبكة نستطيع التدريس من خلالها ومساعدة الطلاب ورؤية ما يفعلون .

أنا لا أتكلم هنا عن ناس أو عادات أو أقارن بشر ببشر هنا بشر يخطئون ويصيبون وهناك بشر يخطئون ويصيبون وكان هناك مشاكل أيضا ولكني أتكلم عن نفس النقطة الجوهرية التي تحدث عنها الأستاذ كاتب المقال الذي عيرهم بافتتاح دريم بارك

وأحب أن أقول أنني من مواليد الستينات ولا ألمح كل تلك الفروق الجوهرية ولكن المشاكل الكامنة الموروثة موجودة نعم هناك محاولات للتحسين ولكن للأسف ليست ناجحة لأن العناصر الأساسية للتنظيم غير موجودة وإن وجدت فإنها تكون حبرا على ورق ويحولها المشرفون المباشرون عليها إلى مصالح شخصية ومحسوبيات

السعوديون وأكثر منهم دول أخرى من دول الخليج أتقنوا نقل الأنظمة وتطويرها في وقت لم نفعل حتى النقل المتقن بل اكتفينا بدعوى أننا صناع الحضارة
وربما تكون قد انتشرت لديهم بعض أمراض الفساد -وهذه سنة كونية - وربما لا ولكن المؤكد من خلال متابعتي وزياراتي أن ما تم بناؤه من هياكل تنظيمية هناك يكفل انسيابية في الحياة رغم وجود السلبيات.

التقدم الهائل الذي نعيشه -حسب زعم صاحب المقال- ما هو إلا سرسوب تسرب من حضارة كبيرة تموج حولنا في العالم كله ولسنا نحن صناعها حتى نفتخر باستهلاكها بل إننا  نطرد العقول إليها.

كما أنني لم أقصد أن أشيد بالنمط الاستهلاكي بل قصدت أن أقول أن ذلك النعيم والصابون والمشروبات الغازية المتنوعة -والتي كنا نشربها هناك بدل المياه- وفي ذلك الوقت كنت هنا لا تأمن أن تجد صرصورا في زجاجة ..والتليفزيونات الترانزسستور لسنا صناعه وحتى على المستوى الاستهلاكي سبقنا غيرنا كثيرون بل ونستورد منهم

ولست بصدد المقارنة بين شعب وشعب أو بلد وبلد أو حكومة وحكومة بل إنني أقارن حال بحال وإنجازات ربما تكون تلقائية ولكننا نحرص على أن نحول كل شيء ليصب في ميزان أشخاص ... ولو فرضنا أن كوكبنا تقدم كل هذا التقدم الهائل بمجهود شخص مع فرضية الديموقراطية فإن هذا يكون إنجاز ما يسمى بالحكومات - الوزارات- بل وربما نستطيع الشطط وننسبه إلى رجال الأعمال.

أما الغارات والحرب ودهان الزجاج فقد عشته أيضا وكنا مستمتعين وربما لو قمت بعمل استفتاء بين من عاشوا الزجاج الأزرق والمخابيء ستجد نسبة غير قليلة يتمنون عودة حقوقنا السليبة ولو بالعودة لشرب الاسباتس وعمل الصابون يدويا في المنزل.

رابط المقال المقصود