الخميس، نوفمبر 21، 2013

أرض الغرور

أنت تعيش في عالم أغلب ما فيه ليس حقيقة وتزداد هذه (الحقيقة!) جلاء وزمانة مع الفضاء الإلكتروني
حيث

يسهل تلفيق الأخبار بدون مصدر ويكون نشرها بضغطة زر ماوس  لا يكلفك تحققا ولا تدقيقا
حيث يبح صوتك لأي معلومة (أين المصدر) ولا مجيب وربما تسمع (من أثق به(  أو ربما في أحوال أفضل (ابحث)

حيث يسهل تركيب الصور ونشرها لتلقى آلاف الإعجابات والحسبنات.

حيث يوجد أصحاب المكانة وآلاف ومئات الآلاف من المتابعين حيث يكفي أحدهم أن يكتب أنا آكل لكي يقول له مئات الآلاف هنيئا مريئا ويدافعون عنه ضد من يعاديه.

حيث تكتب ملايين الكلمات يوميا لا تقول شيئا ولا تحمل رسالة وتنتهي نهايات مفتوحة

حيث نصب كل مخلوق لنفسه عدوا استراتيجيا يتخصص في مهاجمته وتزكية نفسه  وتبرئة مواقفه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وترى في كل دائرة الكمالات المطلقة قد تجسدت حاضرا بل وماضيا تليدا لا يشوبه شائبة وان قدر وكان في ذلك الماضي شيء فقليل من السباب الفاحش يمحوه ويبعد عنه من يعاديه

حيث يكفي بعض من علامات التعجب والاستفهام لكثير من الكلمات .

حيث استطلاعات الرأي يحشد لها ويهجم كل فريق ليعطي أكبر علامات لرأيه وههنا فقدت قيمتها ودلالتها ولكنهم تراضوا بينهم أن يفرحوا بها


حيث يرى البعض أن عليه أن يعلق على كل حدث ويبدي رأيا في كل صغير وكبير وأن يرى نفسه مسئولا عن تثقيف العشيرة التي تتبعه

حيث لا تفاجأ أن ترى اليوم من يستدل برأي من كان يبغض وكان بينهما ما نفخ الحداد لكي يفاجا بعد اسبوع انه نفخ له سما فيعود ليلعنه وهكذا.

حيث يخرج أحدهم من معارك حياته لينتصر لنفسه مسوقا أنه المثالي الذي لا يخطيء ويصفي حسابه مع من يعاديه في الفضاء الإلكتروني.

حيث الفتيات متميزات لا يدانيهن أحد والجميع يغار منهن وهي لا تهتم لهن وهم يموتون غيظا ويحلف لها آلاف الألتراس الخاص بها أنها كذلك وأنهن أيضا يعانين من تلك المشكلة.

حيث الفتيات يستحين من وضع صورهن ليضعن صور الممثلات ويبدلن بينهن

حيث الجميع مخنوق وحزين يعاني من أصحاب الأفق الضيق الذين يعيش معهم ويعمل معهم وهو يعمل في عمل أقل بكثير من مواهبه وربنا يتوب عليه

حيث يبارك القتل والسباب واللعنات والدماء على هامش سماع الأغنيات ومشاركة الفيديوهات الراقصة وصور الرحلات

حيث تنمحي الشخوص والفروق الفردية ويعيش القطيع مسبحا بحمد بطل منقذ أو عبقري فذ لم يتكرر
 

حيث تكفي العاقل تلك المفردات ليعرض : عاجل حصري فضيحة بالفيديو موثق ....

حيث الجميع يسمع نفس المسموعات ويشاهد نفس المشاهدات ويشارك نفس المشاركات ثم يجلسون عندما يلتقون ليخبر بعضهم بعضا بما سمعوا وشاهدوا


الغرور : الخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختيار (تفسير الطبري)

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

حفظك الله أستاذناالحبيب , نسأل الله أن يعفو عنا و يغفر لنا , فعلا أرض الغرور , تذكرت مع هذه المدونة حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأسراء و المعراج لما رآي رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ويشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر ، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى ، قال : قلت : سبحان الله ! ما هذان ؟
و في نهاية الحديث قال له
وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو إلى بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق
-------
و جزاكم الله خيرا كثيرا :)

Unknown يقول...

غروربوك

يا مراكبي يقول...

هذه هي الحياة الحالية للأسف، خدعة كبيرة نعيشها وتعيشنا

وكلما زاد عدد سكان الأرض وكلما ازدادت وسائل التعبير والإتصال، كلما ازداد هذا الأمر سوءاً

كانت الأمور والأحوال أفضل وأهدأ منذ خمسين عاماً مثلاً، وكلما تقدم بنا الزمان كلما رأينا الأسوأ، سنة الحياة