الخميس، فبراير 20، 2014

أحزان الموت

الحزن على الأموات شيء مغروس في الفطرة البشرية وإن كانت تختلف شدته حسب البيئة والزمان ومشاعر الأشخاص
 وعندما تنظر إليه من منظور إيماني فهو حزن للفراق-كما في الحديث-  وليس بالدرجة الأولى  حزنا على الشخص.

لو نظرت في واقع الأمر إلى حزننا على الأموات لوجدته حزنا على أنفسنا لفوات مصلحة مادية أو معنوية  كان هذا الميت سببا فيها بل إن عنصر الحب بين الناس في الدنيا  - فيما سوى حب الله والحب في الله- هو نوع من المصلحة التي نحب لأجلها وهذه المصالح تتنوع  وتتدرج من الأنس وحب المصاحبة إلى ماشاء الله من المصالح التي يجريها الله سبحانه للبشر على يد البشر ولا يستثنى من ذلك حب ذوي الأرحام وغيرهم بل وحب من يفيد الأمة وينفع الله به الناس.

وأحيانا  أيضا يكون مرد ذلك الحزن على الميت رحمة لعقبه أو أولاده وأهله ممن كان يعولهم ويقوم على رعايتهم.

كل هذا ليس حزنا على الميت في حد ذاته حسب ما أرى  لأن الحزن على الميت يكون لمصاب أصاب ذلك الميت وهذا يكون صحيحا إذا كان هذا الميت قد فوت فرصة الهداية والإنابة أو فاجأه الموت وقطعه عن أعمال صالحة كان يسوفها وفي هذه الحالة يحق الحزن ويستدعي الاهتمام لشأنه وتمني لو كان أخر وربما هو أيضا أعني الميت يتمنى لو كان أخر.

 وهذا الحزن فيه منافع حيث إنه ينبغي أن يكون حافزا لك لتنفعه إن استطعت بما شرعه الله مما ينفع الميت بعد وفاته  وتحسن إليه بما استطعت من الدعاء ونشر محاسنه وإتمام ما لو تمنى أن يتمه من عمل وآمال.

وأيضا هو محرك للنفوس لاغتنام فرصة العمر وزاجر عن تضييعها وزاجر عن التهاون بالمعاصي ودافع لمراقبة الله حيث ترى أن الموقت قريب منك وهو قريب فعلا ولكن رؤيته فيمن حولك يقربه للذهن ويجعله حاضرا.

وثالثا ينبغي أن يكون محركا لنا لتذكير الآخرين ووعظهم ومحاولة تجنيبهم تلك الحال من افتلات النفس فجأة والسعي لأن نموت ويموت الآخرون وهم في أكمل ما يستطيعون في جانب حقوق الله وحقوق العباد.

أما الموت نفسه فإنه يسمى أجلا بمعنى أنه توقيت وقته الله لكل إنسان أما آلام الموت ومرض الموت وما يصيب الإنسان في تلك الرحلة فهو مما يكفر عنه سيئاته إن كان مؤمنا ومما يرفع درجاته وهو مرحلة من كدح الإنسان إلى ربه حتى يلاقيه ويلاقي عمله وهذا مما يحزن فعلا على الإنسان لتألمه ولكنه كرب ربما يكون نهاية كربه وبداية سعده إن كان محسنا وهو ما ينبغي أن يذكره به الموت أن يسعى لأن يكون ذلك الكرب هو نهاية كربه وتفاوت الناس في ذلك هو قدر وتقسيم من الله كما قسم الأرزاق والصفات بين الناس وأجرهم يتفاوت على قدر صبرهم وعملهم في ذلك بما يرضيه.
ما أحاول أن أقوله بخصوص تلك الكروب أنها بلاء ويمر وما ينبغي على الإنسان فيها سواء المبتلى ومن حوله أن يعاملوها بواجب وقتها وليس بالحزن المقعد.

ومما يهون ذلك الحزن أنه في بعض الأحيان والأوقات والأحوال وربما البلاد قد يكوم باطن الأرض خير للمؤمن من ظاهرها وهذا لا يعلمه إلا الله ولذلك شرع عدم تمني الموت ولكن شرع دعاء الله بتقدير ما هو خير سواء كان الحياة أو الموت.

ثم من مظاهر حزن البشر على الأموات ربما ترى أحدهم مهتم بمعرفة كيف مات وما السبب ويحاول أن يرى سببا مباشرا لموت الشخص فهو لا يريد أن يقنع نفسه أنه مات بلاسبب لأن أجله قد حان ويحاول بعد أن يعلم السبب أن يقنع نفسه أنه بعيد عن ذلك السبب وأنه مبرأ منه ويحدث ذلك أكثر ما يحدث إذا مات من هو في منتصف العمر فما دونه من الشباب والأطفال .
وهذه حيلة نفسية يسلكها معنا الشيطان حتى يطيل لنا في الأمل ويسوف لنا ويعدنا ويمنينا
ألا ترى أن حالات الوفاة تنوعة جدا بين السبب واللاسبب وبين الأعمار والتوقيتات والأماكن فاحذر تلك الحيلة  لأنك ببساطة سوف تموت كادح إلى ربك فملاقيه
وإذا لم تمت هذا الأسبوع فستموت وإذا لم تمت بذاك المرض فستموت وإذا كنت مهملا في صحتك أو مهتما فستموت ولو قدر لك أن تعيش ستين سنة قادمة فستموت وما أنت مقبل عليه من أيام وخاصة إذا عمرت لن يكون مريحا ولا ممتعا وليس أفضل لك مما عند الله إن أحسنت بل نحسب ونأمل أن ما عند الله هو خيرا لنا لأنه وببساطة هذه الحياة "دنيا".
فما عليك إلا ان تسعى أن تكون تلك المهلة والسنوات -إن وجدت - وسيلتك لتحسين مآلك عند الله وإن لم يكن كذلك فالموت الفوري أرحم لأن في هذه الحالة فبئس حياة لا تزيدنا من الله إلا بعدا ولا تزيد مصيرنا عنده إلا سوءا فأي متعة في ذلك وأي حزن على فقدان مثل تلك الحياة التي تكون سببا في سوء المآل.

اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.

يتبع إن شاء الله

ليست هناك تعليقات: