الجمعة، نوفمبر 23، 2007

تعليق على التاج 008

الأخوة الأعزاء بارك الله فيكم جميعا وأعتذر عن انشغالي عن الرد على تعليقاتكم جميعا وأشكر الذين قالوا نعم وأشكر الذين قالوا نعمين أما الذين قالوا لا دول بقى حارد عليهم

نقاط الاعتراض أولأ نرد على تعليق أخي كرم يقول أنني أظهرت البديل في حالة الطبيب في صورة مرفوضة والحقيقة أنني في موضوع الطب والأطباء لا أتحدث من واقع أوهام وانا جالس على جهازي بل موضوع هذا السؤال بالذات درسته كثيرا وعشناه واقعا عدة مرات ورأينا كيف يتبهدل المريض متعلقا بأمل بائس لحياة أيام معدودة تضيع في التنقل بين الأطباء وغرف العمليات

أخي الحبيب أنصحك أن تقرأ تدوينة عندي هنا اسمها أحزان 1 وأخرى اسمها أحزان 2 وتقرأ حكاية زميلي الطائر الحزين عن وفاة والده حتى تعرف أنني لا أتكلم كلاما نظريا بل والله والله والله يا أخي كرم هذا الموضوع يشغل أكبر حيز من ذهني وحريص على الوصول للحق فيه لأنه لا أحد يجرؤ أن يفكر فيه بهذه الطريقة بل الناس تقرر فيه قرارات محددة مسبقا من قبيل الأمل موجود ودايما فيه أمل وهكذا والله أسأل الثبات لعباده الزمنى وأن يرزقنا وإياك واليقين والمعافاة

ثم إني لم أكن أتكلم عن مجرد بث الأمل النفسي في قلب المريض وتنمية حسن الظن بالله عنده بل أنا أتكلم عن تعليقه بأمل العلاج وإنفاق الأموال فيه بل ربما يعيش مخدرا مبقور البطن أو مفتوح الرأس لا يعي شيئا وأيضا يموت في نفس الزمن

يعلم الله يا أخي كم هو صعب علي أن أكتب هذا التعليق بل كيف كان صعبا علي أن أكتب تلك الإجابة أصلا في التاج.

========================================

ثانيا أخوي الفاضلين الذين علقا على نقطة عدم خلع أو انخلاع الحاكم إلا بفقدان الأهلية

ذكر أخي محمد (العسقلاني) : قولا لشيخ الإسلام بن تيمية عن اشتراط القوة والأمانة لمن يلي الأمر وأن معيار القوة يتغير حسب المهمة المنوطة بهذا الحاكم أو بمعنى آخر حسب التحديات التي تواجهه

أولا قول الشيخ رحمه الله موافق لما حاولت إيصاله هنا لأن الأهلية تستلزم ماذكر من القوة والأمانة بكافة معاييرها ومناسبتها للتحديات المذكورة

وينبغي أن يؤخذ هذا الكلام أيضا في إطار التصور العام الذي اقترحته من وجود لجان متخصصة تلي صياغة الدستور وتشخيص الأوضاع

وأيضا تحديد وظيفة الحاكم بالإدارة وتعلمون أكثر مني أن القدرات الإدارية هي قدرة استغلال الموارد والطاقات واتخاذ القرارات واستشارة ذوي الرأي والخروج بالقرار السليم من معطياتهم

أيضا أشير على من يهتم بهذه النقطة أن يقرأ وباهتمام كتاب غياث الأمم في التياث الظلم للإمام الجويني وهو كتاب لا يستغني عنه أي إنسان يهتم بهذا الأمر رغم صعوبته اللغوية وتكلم فيه كثيرا عن الخلع والانخلاع ومما قال رحمه الله

الإمام إذا لم يخل عن صفات الأئمة فرام العاقدون له عهدا أن يخلعوه لم يجدوا إلى ذلك سبيلا باتفاق الأمة فإن عقد الإمامة لازم لا اختيار في حله من غير سبب يقتضيه ولا تنتظم الإمامة ولا تفيد الغرض المقصود منها إلا مع القطع بلزومها ولو تخير الرعايا في خلع إمام الخلق على حكم الإيثار والاختيار لما استتب للإمام طاعة ولما استمرت له قدرة واستطاعة ولما صح لمنصب الإمامة معنى فأما الإمام إذا أراد أن يخلع نفسه فقد اضطربت مذاهب العلماء في ذلك فمنع بعضهم ذلك وقضى بأن الإمامة تلزم من جهة الإمام لزومها من جهة العاقدين وكافة المسلمين وذهب ذاهبون إلى أن الإمام له أن يخلع نفسه واستمسك بها صح تواترا واستفاضة من خلع الحسن بن علي نفسه وكان ولي عهد أبيه ولم يبد من أحد نكير عليه والحق المتبع في ذلك عندي أن الإمام لو علم أنه خلع نفسه لاضطربت الأمور وتزلزت الثغور وانجر إلى المسلمين ضرار لا قبل لهم به فلا يجوز أن يخلع نفسه

نخلص من هذا النقل الصغير ومن باقي هذا الكتاب الرائع وغيره أن الأمة قد اتفقت أنه حتى الذين عقدوا عقد الإمامة ليس لهم أن يخلعوه وفي الموضوع تفاصيل كثيرة في الكتاب وفي كتب الفقه الأخرى واختلفوا هل يجوز أن يتنحى أم لا ورجح الجويني أنه لا يجوز له أن يتنحى إذا رأي أن هناك ضررا يقع بتنحيه

وأن الخلع مشابه لابتداء العقد أي المعايير التي تكفل له الاستمرار هي تلك المعايير التي أهلته للاختيار

أما مسألة دولة المؤسسات هل دولة المؤسسات ينبغي أن تكون هذه المؤسسات منازعة للإمام أو الحاكم في السلطة ولماذا لا تكون هذه المؤسسات هي أهل الشورى للإمام والناصحين له أم أن الافتراض الحتمي هو وجود المعارضة المنبوذة التي لا تتناصح مع الإمام ولابد لهم لكي ينفذوا رؤيتهم أن يقوموا على تنفيذها بأنفسهم وليس من خلال هذا الحاكم الذي تم اختياره أيضا باتفاق أهل الشورى وأهل الحل والعقد أو عبر أي آلية كفلت أنه الأنسب

ثم ما البديل من وجهة نظركم مع عدم وجود تحديات والأصل في مهمة الإمام هي إقامة الدين وفرائضه ومنها الجهاد وحماية الحوذة

هل البديل هو تحديد مدة ينخلع بعدها الإمام تلقائيا وماذا تفعلون إذا رأى الإمام ومن يناصره أن المصلحة تقتضي ألا ينخلع هل تتحول إلى حرب أهليه

وهل تسوغون لكل أحد أن يطمح فيها بعيدا عن أهل الحل والعقد وهل قتل سيدي وحبيبي عثمان رضي الله عنه إلا هكذا بهذا الحراك المفتون

هل يلزم من وجود الحراك السياسي في تلك الحالة أن يكون ذلك الحراك على مستوى رأس الدولة ولماذا لا يكون في المستويات التنفيذية

ثم لا أدري ما علاقة وجود الأحزاب المفترضة والشد والجذب أعتقد أن حالة الشد والجذب هذه لا تؤدي إلى بناء ولكن حالة التشاور والنصح مع الإمام – وأنا أتحدث عن حاكم متصف بالأهلية قائم بأمره كما أوجبه الله تم اختياره طبقا لمعايير شرعية من قبل أهل الحل والعقد أو أهل الشوكة

إن الحكم في الإسلام ليس سلطة يتنازع عليها بقدر ما هو مسئولية وأمانة وكما رأيتم فإنه لا يجوز له أن يتخلى عنها إلا إذا كان غير كفؤ لها أو تغيرت الأحوال بحيث أصبح غير كفؤ لها

ثم يا ليتكم تذكرون لي نموذجا واحدا كان فيه الإمام يتولى الإمامة ولا أقول السلطة ثم يقال له ستنخلع بعد قليل

وألفت انتباهكم أيضا إلى النموذج السائد في الغرب والذي تأتي كل إدارة وتبدأ بداية شبه نظيفة لكم أن تتصورا حال أمتنا وإمام عقدت له الإمامة ومسيرة العدل سائرة وكله على ما يرام ثم يقال له عفوا لقد نفدت صلايحة بطاقتك

انزل عشان كله يجرب الكرسي

ثم إذا قلتم لا بل نولي الأنسب لكل مرحلة من عمر البلد صفوا لي في تصوركم ما هو معدل تغير هذه المراحل وكيف تتصورونها في ضوء ما مر علينا من أحداث كعينة عشوائية لدولة مرت بها عدة أنواع من التحديات.

وأقصد بهذا السؤال هل كلما حدث حدث كبير نقول له تنح لأنك لا تصلح له وائت لنا بغيرك ممن يصلح

هل تطلبون من الحاكم أن يكون عالما في الاقتصاد في مرحلة الأزمات الاقتصادية ثم تريدونه قائدا عسكريا وقت الحرب ثم تريدونه مناورا سياسيا وقت المفاوضات إذن اشترطوا شخصا تكون فيه هذه المقومات من البداية و أهلوه لها

وأعود لأقول لكم إذا قلتم ذلك فأنت أيضا تقعون في نفس الخطأ الذي يقع فيها الدكتاتوريون من أنكم تختذلون الدول في شخص

بل أقول نريده مديرا راجح العقل رابط الجأش شديد العزم حكيما دينا مجتهدا............................مش أنا طبعا

لو نظرنا إلى أصل الأهلية وما هي مقوماتها ومن هم المخولون باختياره أصلا لعلمنا أن الموضوع فيه تناقض حيث أن هؤلاء المذكورين أصحاب الحراك لابد أن يكونوا مشاركين في اختياره وأيضا يكونون مشاورين له ومعاونين له على الإدارة فكيف يقال انهم سيكونون معه وفي نفس الوقت يتربصون الساعة التي يزيلونه فيها ليضعوا غيره

وهل معيار اختيار هذا الغير هو أهليته هو شخصيا أو مباديء وأفكار حزبه وأنتم تعلمون أن المباديء والأفكار هي كلمات على ورق مالم يكن لها رجال أم أنكم تقولون أن وضع المباديء وصياغتها كفيل بصنع رجال لديهم الكفاءة.

هناك 20 تعليقًا:

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

أستاذنا الفاضل عصفور المدينة

شكرا جزيلا على مجهودك فى مناقشة ما طرحته من أفكار .. دعنى بعض الوقت أملم شتات أفكارى .. ثم أعرض وجهة نظرى بشىء من التفصيل .. أرجو أن أجد من رحابة صدركم المعتادة ما يستوعبه

لن أتأخر بإذن الله .. و لكن الوقت الآن الثالثة فجرا

محمد عبد الغفار يقول...

عاوزين زعيم

خمسة فضفضة يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معاك يا باشمهندس في موضوع الامل الكداب ده
المفروض فعلا الطبيب يصارح مريضه بالحاله ويعرفه كل الاحتمالات حتي لو ماكانتش في صالحه ،
في الدول الاجنبيه بيتم كده وبكل صراحه بين المريض والطبيب بتاعه


مش يكذب عليه ويديله امل كاذب زي ما بيحصل عندنا في مصر وفي اغلب الاحيان بيبقي الهدف من ورا كده استنزاف مادي للمريض مش اكتر ولا اقل

ربنا يعافينا جميعا

اما موضوع الحاكم فمادام الراي الشرعي بيقول كده يبقي خلاص لله الامر من قبل ومن بعد وهو جل وعلي بقي اللي في ايده انه يخلصنا ويحلها من عنده
:D

تقبل تحياتي

عصفور المدينة يقول...

بن حجر
في انتظارك
محمد عبد الغفار
فعلا عايزين قائد
خمسة فضفضة
خلي بالك احنا بنتكلم مش عن وضع قائم بل عن وضع تنظيري

منى يقول...

سيدى العصفور
كلامك عن الحاكم مقنع جدا
لكن طبعا ده الحاكم العادل اللى اختياره كان على اسس سليمه وبما ان ده اساسا مش موجود
يبقى مفيش خلاف

مهندس مصري بيحب مصر يقول...

يا سيدي لما يبقى فيه إمام عادل نبقى نتناقش و نختلف أو نتفق
إحنا في مرحلة الملك العضود و تخطينا مرحلة الخلافة الراشدة من زمااااااااااااااان
و كل من يحكم يحكم الآن بقوة السلاح و الجيش و الأمن المركزي
يمكن ما يحلهاش غير المهدي المنتظر و الخلافة الراشدة في آخر الزمان
:)

عصفور المدينة يقول...

الأستاذة منى
مهندس محمد

لا يوجد خلاف وكما أكدت وأكدتم أن هذا في حالة وجود الحاكم العادل

ولكن ينبغي وضع الأسس النظرية للموضوع ولابد من وجود تصور واضح لطريق الحل وصورته من منظور إسلامي
ولكن إذا انتظرنا المهدي المنتظر والخلافة الراشدة فنحن مقصرون ولاشك

ftataljanna يقول...

ما شاء الله

بجد ربنا يبارك لك فى عقلك يا باشمهندس

ايه التاج العسول ده وردودك بجد حلوة عقلانية ودمها خفيف كمان معادلة صعبة :)

هابقى اخد التاج لما اخلص امتحانات بقى ان شاء الله

بس علشان ابقى واخداه على نور

هو ينفع ابقى رئيس جمهورية

ولا لازم امسح تاء التأنيث من اسمي الأول

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

أستاذى العزيز عصفور المدينة .. عذرا على تأخرى .. و لكنها الالتزامات الأسرية و العائلية التى شغلتنى منذ أمس و التى تستمر حتى عدة ساعات قادمات بإذن الله .. لذلك أرجو أن تقبل منى أن أعلق على الموضوع بعد منتصف الليل بساعة أو بساعتين بإذن الله

و شكرا لك سيدى على سعة صدرك

محمد مارو يقول...

معلش انا مش كنت متابع الموضوع بس قلتلازم اقراءه من الاول و ابعت تعليقى

فرنسا هانم يقول...

من الطبيعى جدا
الا يكون الحاكم نابغه فى كل شىء
اقتصاديا وسياسيا ودينيا وعسكريا ورياضيا و.........ولكن
الحاكم مسئول عن جميع ما سبق
حتى حزمه الجرجير لما تغلى الناس بيقولوا الله يجازيك يا

محمد عبد الرحمن يقول...

أخى الفاضل الحبيب
مررت فوجدت كتابات أحببت التوقف عندها
عندى تساؤلات أرجو أن أجد لها غجابات
هل من المكن إذا أخذنا برأى بقاء الحاكم مدة أهليته للحكم أن نأمن من تحوله إلى طاغية عن طريق تشكيل مؤسسات لها حق مسائلة وتقويم الحاكم وإختبار مدى مطابقة الحاكم لمواصفات الوالى الصالح الذى يتقيد بشروط البيعة ويكون لهذه المؤسسات حصانة قانونية شرعية تمنع الوالى من العبث بها أو تجييرها لصالحه ثم من يملك أساسا إختيار أعضاء هذة المؤسسات وعلى أى أساس هل حزبى أم دينى أم تكنوقراطى
وما العمل إذا جاء القائد الفاشل الذى لم يمكنه تنفيذ برنامجه العملى الذى سبق وتعهد به
أليس من اأفضل أن يتنحى شعورا بالمسؤلية ليترك المجال لغيره

شكرا لسؤال حضرتك عنى

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

سيدى العزيز عصفور المدينة .. عذرا للتأخر .. فإن يوم العطلة يكون مليئا بالمهمات

نستهل التعليق بأن أذكر بأن أمور السياسة الشرعية كلها بما فيها الإمامة هى من الفروع و ليست من الأصول .. لا يوجد إلا الشيعة فقط هم من يقولون أن الإمامة من الأصول .. و بما أنها من الفروع فباب الاجتهاد فيها مفتوح طبقا لتغير المكان و الزمان و الظروف و ما إلى ذلك .. و ذلك يجعل تقييم مثل هذه الأمور يكون بمعيار الصواب و الخطأ و ليس بمعيار الحلال و الحرام ما دمنا لا نخالف أمرا شرعيا ثابتا .. و ما يصلح لفترة زمنية قد يكون غير مناسب فى أخرى .. و كل يؤخذ منه و يرد إلا الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام

أود أن أنبه أن الشافعية كانوا من أكثر المذاهب تضييقا فى أمور السياسة الشرعية (و الجوينى شافعى) .. بل تعريف السياسة عند الشافعية و الأحناف لم يتجاوز تطبيق الحدود و التعزيرات و العقوبات .. و لم يعرف التاريخ الإسلامى المعنى الواسع للسياسة إلا على أيدى الحنابلة أمثال بن عقيل و بن تيمية و بن القيم و السياسة عند بن عقيل هى الاجراءات التى تتخذ و يكون معها الناس أقرب إلى الصلاح منهم إلى الفساد .. و ليس شرطا أن توافق الشرع .. بل هى ما لم يخالف الشرع من هذه الإجراءات

شكل الحكم فيما سبق من عصور كان مركزى شديد المركزية إذ كل الأمور هى بيد الإمام أو الخليفة .. و لا توجد هيئة دائمة للمراقبة و المحاسبة إلا ضمير الحاكم نفسه أو بعض العلماء ذوى الشجاعة و قليل ما هم.. فبالتالى تنحيه أو موته أو خلعه بالتأكيد يتسبب فى حالة اضطراب عامة .. أما فى دولة المؤسسات فإن مسئولية الحكم تكون موزعة على مؤسسات الدولة و دور الخليفة أو الإمام محدود و معروف و محدد .. فبالتالى هذا هيكل فى الحكم بسمح بتداول السلطة بشكل لا ينشأ عنه اضطراب مؤثر

عاش الجوينى فى القرن الخامس الهجرى و توفى تقريبا عام 478 هـ.. و التسعة قرون التالية له تطورت فيها الإنسانية بشكل رهيب على جميع المستويات خاصة النظم السياسية.. فما يصلح وقتها قد لا يكون مناسبا فى عصرنا هذا .. بل نحن فى حاجة إلى فقهاء مجددين (و هم موجودون) لتتلاءم الفتاوى و الاجتهادات مع ما تغير من الظروف و الأحوال

شرعية الإمام تأتى من بيعة الناس و عقدهم له بالإمامة .. أهل الحل و العقد أولا ثم باقى الناس
أما دور الإمام هو إقامة الدين و سياسة الدنيا بالاستخلاف عن صاحب الشرع .. و ذلك تعريف بن خلدون للخلافة
و الشرعية هى التى يجب أن تتحقق أولا ليتمكن الإمام من ممارسة دوره
فإن شرعية الإمام لا تأتى من إقامته للدين و سياسة الدنيا ..لا..فهذا "دور" و ليس "شرعية" .. و إنما شرعيته تأتى من "العقد" و "البيعة" .. و البيعة أمر صورى إجرائى و هو صفقة اليد .. أما العقد فهو أمر جوهرى و هو ما يتعاقد عليه الإمام مع الرعية (و هو ما لا يكون خارج إطار الشرع و هو ما نستطيع أن نقول عليه مجازا بلغتنا الحالية.. البرنامج الانتخابى) فالعقد اختصارا هو تنازل الرعية عن بعض الحقوق فى مقابل أن يدبر الإمام لهم سائر مصالحهم.. فمثلا لو كنت أمتلك أنا قطعة أرض .. فإنه لى كل الحق أن أقسمها إلى جزء لزراعة الحبوب و جزء لزراعة الفاكهة و جزء لزراعة الخضروات و جزء أبنى فيه بيتا للسكنى .. و لكن قد أستجيب للإمام و أتنازل عن هذا الحق و أزرع حبوبا فقط فى مقابل ما نتعاقد عليه من أن يوفر لى الفاكهة و الخضر و المسكن لأستطيع أن أعيش .. هذا الأمر و ما على شاكلته يكون مفردات العقد الاجتماعى بين الراعى و الرعية

و خلع الإمام لا يكون دائما بالسيف .. بل يكون برضى أو رفض أهل الحل و العقد الذين يمثلون سائر الأمة .. و قد يكون مناسبة ذلك هو مخالفة الإمام للعقد الذى عقده بينه و بين الناس حين البيعة .. فإن رفض الانخلاع .. فذلك أمر آخر ..و من الفقهاء من يمنع الخروج عليه فذلك منشأ الفتن و الدماء .. رحمنا الله منها .. و جمهور علماء الأمة يرون أن من حق الأمة و من واجبها (ينوب عنهم أهل الحل و العقد) أن تولى الإمام و أن تعزله .. و أن تقومه و أن تنصحه و أن تشير عليه

أما الجملة التى تفضلت بذكرها كاستنتاج على ما قاله إمام الحرمين الجوينى و هى "نخلص من هذا النقل الصغير ومن باقي هذا الكتاب الرائع وغيره أن الأمة قد اتفقت أنه حتى الذين عقدوا عقد الإمامة ليس لهم أن يخلعوه" أنه لا يمكن الاستنتاج بأن "الأمة" قد اتفقت على عدم جواز خلع الإمام .. فالجوينى كان فى القرن الخامس .. و عمر أمة الإسلام أربعة عشر قرنا .. أى هناك تسعة قرون مليئة بالعلماء .. منهم من خالف ذلك الرأى

ثم إن الدولة فى الإسلام ليست دولة دينية كهنوتية .. بل دولة مدنية .. أى لا يكون أوامر و نواهى الحاكم هنا لها قدسية الأمر و النهى الإلهى ..بل الإمام هو شخص اختارته الأمة .. تشاوره و تحاسبه و تراجعه .. و هو مسئول عن الأمة و أجير عندها كما قال أحد التابعين لسيدنا معاوية: السلام عليك أيها الأجير

أما قولة سيدنا عثمان رضى الله عنه عن الخلافة أنها "قميص سربلنيه الله لا أخلعه" .. فهى عبارة توهم أن الحكم دينى و أن خلع الإمام معصية لله و الرسول .. و هذا اعتقاد خاطئ إذ حالة سيدنا عثمان حالة خاصة لأنه كان يستجيب لنبوءة النبى صلى الله عليه و سلم حينما قال له:"إن الله لعله يقمصك قميصا فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه" ثلاث مرات .. إلى جانب أن الذين ثاروا على الخليفة لم يكونوا أهل الحل و العقد .. و لم يكونوا غالبية الأمة .. بل هم كما تذكرهم كتب التاريخ أنهم غوغاء .. فخلع الإمام هنا و الثورة عليه لا يوجد ما يقتضيه

كان الحديث هو عن تداول السلطة .. فذكرت دولة المؤسسات و ما تشمله من آليات تضمن تداول سلمى كفء للسلطة .. و لكن ليس تداول السلطة السلمى هو الخصيصة الوحيدة لدولة المؤسسات .. بل هناك الكثير من الخصائص و منها ما قمتم أنتم بذكرها فى مقالكم .. من تناصح و تشاور لأهل التنفيذ و أهل الرأى.. و منها استقلال القضاء .. و استقلال التشريع .. و أعتقد أن تنحى الإمام أو خلعه ليس بالأمر المهم بقدر أهمية ضمان مراقبة السلطة التنفيذية كلها و ضمان محاسبتها


حالة الحراك السياسى الذى تشارك فيه الأحزاب بخططها و توجهاتها هى ليست بالضرورة حالة نزاع .. بل هى حالة تنافس بين الكوادر المؤهلة .. فهى كما تقول الآية 26 سورة المطففين "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" .. بل و يمكن اعتبارها حالة من دفع الناس بعضهم ببعض كما تقول الآية 40 سورة الحج "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " .. و دور الحزب الرئيسى ليس هو منازعة أو معارضة أهل الحكم .. بل هو المداومة على توفير وجهات نظر و خطط و رؤى أخرى كحلول لمشاكل و لتحديات الأمة .. و صور التفاعل الإيجابى بين الأحزاب موجودة فى كثير من البلدان المستقرة سياسيا

أما حالة عدم وجود تحديات أمام الأمة فهى أعتقد أنها حالة غير موجودة .. إذ كفى "بإقامة الدين و سياسة الدنيا" أن تثير من التحديات مالا يحصى ..خصوصا فى ظل عالم من سنته التعدد فى الحضارات .. و سنة التعدد هذه لن تجد لها تبديلا و لن تجد لها تحويلا

نأتى لأمر تأقيت فترة الحكم .. فذلك أمر لم يخالف لا أصلا ولا فرعا .. و لم يأت نص يقول بامتداد فترة الحكم لنهاية عمر الحاكم ..فتأقيت فترة الحكم هى من المسائل السياسية الشرعية التى قد تقتضيها التطورات الحادثة على النظم السياسية فى دولة المؤسسات .. و لكن لا مانع من أن يمتد حكم الإمام ما دام كفء و جديرا بالمسئولية

قولتكم "ثم يا ليتكم تذكرون لي نموذجا واحدا كان فيه الإمام يتولى الإمامة ولا أقول السلطة ثم يقال له ستنخلع بعد قليل" هذا النموذج سواء كان موجودا أو غير موجود لن يؤثر .. لأن شرعية تأقيت فترة الحكم ليس شرطا لها وجود نموذج مشابه لها من قبل .. بل هى حالة من تطور النظم السياسية .. و لا يوجد فى الشرع ما ينهى عن التأقيت أو ما ينص على التمديد

و عن معدل تغير الإمام .. فذلك تساؤل ليس بيد أحد الإجابة عليه .. إذ الظروف هى التى تفرض ذلك .. فبانتهاء فترة الحكم و بوجود من لديه من الأفكار و الخطط ما يكون أنسب للفترةالتالية .. فإن الأنسب يتقدم .. و الذى قد يكون الحاكم القديم نفسه .. و بالتالى لن نجد ما يقتضى أن "يقال له عفوا لقد نفدت صلاحية بطاقتك انزل عشان كله يجرب الكرسي" فإن "تجريب الكرسى" منوط ببيعة الأمة و عقدها تحقيقا للمصلحة العامة التى تراها الأمة من خلال أهل الحل و العقد

كمثال عن تغير الحاكم بتغير التحديات .. كانت أسبانيا برئاسة وزارة أثنار من المؤيدين بشدة للحرب على العراق و الموالاة العمياء لأمريكا.. و لكن بعد التفجيرات التى حدثت فى أسبانيا التى كانت مؤشرا يوضح للشعب الأسبانى أن حكومته وقفت الموقف المبالغ فيه .. سقطت حكومة أثنار و جىء بثباتيرو بناءا على رغبة الشعب الأسبانى .. و أشير أنى أستنكر بشدة هذه التفجيرات

أما فقرتك قبل الأخيرة التى تشير فيها إلى وجود تناقض ما .. فهذه الفقرة إن صحت .. فقد حكمت بالفشل على نظام دولة المؤسسات بالكامل و هو ما ينفيه الواقع فى كثير من البلدان و تنفيه دراسات سياسية كثيرة.. و رأيى أن هذه الفقرة بحاجة إلى بعض المراجعة .. لأن من يرشحون الإمام هم أهل الحل و العقد .. و هؤلاء لهم مواصفات خاصة استفاضت الكتب فى تحديدها .. منها العدل و الأمانة .. إلى جانب أنه لا يوجد ما يمنع من اتفاق الأحزاب على شخص واحد أو شخصين أو ثلاثة ممن تتوافر فيهم شروط الإمامة ليكونوا محل الانتخاب من باقى الأمة .. إلى جانب أن المشاورة لا تقتضى الاتفاق التام فى التوجهات بين جميع المتشاورين و المشاورين .. إذ تعدد الآراء المطروحة للنقاش و البحث النابعة من المتمايزين فى التوجهات هو خير من أحادية الفكرة النابعة من تطابق التوجهات

أما معيا الاختيار سواء كان الذى يتم اختياره هو الإمام أو أفراد أهل الحل و العقد .. فالكتب مليئة بالمعايير المفصلة و التى تظل حبرا على ورق ما لم تجد رجالا يعتنقونها .. و هؤلاء الرجال فإن مسئولية إفرازهم هى مسئولية المجتمع بكافة أركانه

فى النهاية أحب أن أوضح .. أن خلع الحاكم ليس هو الحل الأمثل لمشاكل الأمة .. بل الحل الأمثل هو وضع آليات متابعة و مراقبة و تقويم و مشاورة .. إلى جانب أن الحاكم بنفسه له القدرة على تغيير سياساته التى تمكنه من مواجهة التحديات المتغيرة بتغيير الكوادر المسئولة كتغيير الوزارة مثلا من مرحلة لأخرى

عصفور المدينة يقول...

أخي بن حجر
نحن متفقان في كل النقاط التي ذكرتها فيماعدا القليل أذكره مع تأكيد أنني متمسك برأيي فيه وهو مابين الخطين
========================
مسألة أن الإمامة من فروع الدين
مسألة أن الحكم ليس ديني وأن خلع الإمام ليس معصية
مسألة تقسيم الآراء حسب المذهب الفقهي ثم الحكم عليها إجمالا
مسألة الاستدلال بنموذج غربي

مسألة تثبيتك مبدأ وجود الأحزاب ثم الانطلاق منه إلى باقي المسائل وهو سبب قولي وجود تناقض لأني أعترف بوجود أهل الحل والعقد كضاغط ومراقب على سلوك الحاكم
=====================
بخصوص معيار تغير الإمام وصلت أنت منه لما أردته من طرح التساؤل أن يكون ذلك منوطا بقدرته على مواجهة التحديات وهو أهليته للإمامة

بخصوص أن أهل الشورى لا يجب أن يكونوا متفقين أؤيدك فيه تماما وخاصة أن ذلك هو دور الإمام كمدير في اتخاذ القرار من أقوالهم

أعجبتني فقرتك الأخيرة والتي تدل على أننا متفقان جدا في رؤية الموضوع وإن كان الظاهر أن هناك اختلافا ولكني أراه في تفاصيل بسيطة فقط

وهو قولك يرعاك الله

فى النهاية أحب أن أوضح .. أن خلع الحاكم ليس هو الحل الأمثل لمشاكل الأمة .. بل الحل الأمثل هو وضع آليات متابعة و مراقبة و تقويم و مشاورة .. إلى جانب أن الحاكم بنفسه له القدرة على تغيير سياساته التى تمكنه من مواجهة التحديات المتغيرة بتغيير الكوادر المسئولة كتغيير الوزارة مثلا من مرحلة لأخرى


===============
أيضا أحب أن أنوه أن طرح مثل هذا الموضوع للنقاش ليس في غير وقته بل لابد من تفعيل مناقشة الرؤى حول أمور الحكم حتى يكون لدينا التصور المتكامل للشكل المرجو بدلا من أن نفاجأ في يوم أو أبناؤنا بما لم نستعد له وايضا لا يجوز أن نقول ننتظر المهدي بل نقوم باواجبات الشرعية حسب وقتها

جزاك الله خيرا على مشاركتك وأن هيأت الفرصة لطرح مثل هذا النقاش وتبقى مناقشاتنا هي في أجزاء من الموضوع

Unknown يقول...

ربنا يجزيك خير يااستاذي الحبيب كلام حضرتك واقعي ومن الاخر

ودوله النبي والصحابه كانت اشبه بدوله مؤسسات وان كانت افضل بمراحل لان كانت مرجعيتها في كتاب الله اللهم واعد دوله الاسلام واذن لشرعك ان يحكم واسألك الدعاء يااستاذي

عصفور المدينة يقول...

طال الليل

هل من المكن إذا أخذنا برأى بقاء الحاكم مدة أهليته للحكم أن نأمن من تحوله إلى طاغية عن طريق تشكيل مؤسسات لها حق مسائلة وتقويم الحاكم وإختبار مدى مطابقة الحاكم لمواصفات الوالى الصالح الذى يتقيد بشروط البيعة ويكون لهذه المؤسسات حصانة قانونية شرعية تمنع الوالى من العبث بها أو تجييرها لصالحه

نعم وبارك الله فيك وهو نفس الطرح الذي طرحته


ثم من يملك أساسا إختيار أعضاء هذة المؤسسات وعلى أى أساس هل حزبى أم دينى أم تكنوقراطى


من تعريف أهل الحل والعقد أنهم يكونوا أهل شوكة ومنعة أصلا ولا أحد يختار الحكماء والشخصيات البارزة بل تبرزهم الأحداث


وما العمل إذا جاء القائد الفاشل الذى لم يمكنه تنفيذ برنامجه العملى الذى سبق وتعهد به
أليس من اأفضل أن يتنحى شعورا بالمسؤلية ليترك المجال لغيره


حتى لو لم يتنح فهؤلاء يملكون القدرة على عزله وهو محور الموضوع تقوية دور أهل الحل والعقد

ا بـن عــمــر يقول...

جزاكم الله خيرا
على المرور يا أستاذنا

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

بل أنا الذى أشكرك أستاذنا عصفور المدينة على إثارة هذا الموضوع أولا.. و على سعة صدرك لنا ثانيا .. و الحمد لله أن اشتركنا فى الكثير من النقاط .. و لكن لدى تعليق على نقطتين من نقاط الاختلاف

---------------

الأولى .. هى "أن الحكم دينى" .. كنت أود استيضاح مقصودكم من هذه العبارة .. لأن المقصود و المتعارف عليه فى لحكم الدينى أو الدولة الدينية هو دولة "الحكم الإلهى" و التى يكون لحكامها قدسية دينية و تتحكم فى ضمائر الناس باسم الحكم الإلهى.. و هى الواسطة بين الله و بين الناس و حكامها يمثلون إرادة الخالق فى الخلق فما أمروا به هو أمر السماء .. و ما نهوا عنه هو نهى السماء

فذلك أمر يستنكره الإسلام بشدة .. و يقول الإمام محمد عبده ما يفهم منه أن الإسلام لم يأت إلا لهدم مثل هذا التسلط على الرعية باسم الدين

و يقابل "الدولة الدينية" ما يعرف بـ"الدولة المدنية" و هى المقصود بها فيما أعلم أن الحاكم هنا هو بشر و لا يأمر و لا ينهى إلا بما يراه هو بحكم "بشريته" أنه الصواب .. لا بما يراه بحكم "قدسيته" أنه الصواب كما فى الدولة الدينية .. لذلك نموذج الحكم فى الإسلام هو مدنى .. أصوله و مرجعياته إسلامية .. و الـ"إسلامية" هنا لا تعنى العقيدة فقط (و هى التى يكفر من يخالفها) بل هناك شرائع و أخلاق

---------------

الثانية.. أن الإمامة من أصول الدين

سيدى العزيز ..ذلك أمر تكلم فيه الكثيرون .. و هذا فارق جوهرى بين الشيعة و باقى فرق الأمة هذا إن لم يكن الفارق الأكثر أهمية .. فهم يرون أن الإمامة أصلا من أصول الاعتقاد عندهم.. و لكن اختصارا .. لو كان أمر الإمامة من الأصول لتم الحكم بالكفر على من لا إمام لهم

---------------

أعرف سيدى أنك كنت على وشك الانتقال الى موضوع جديد .. فعذرا أن قمت بفتح موضوع آخر للحوار قد يكون وقته غير ملائم

و شكرا سيدى على سعة صدرك

عصفور المدينة يقول...

طبعا مش هو ده الحكم الديني اللي اقصده يا محمد انا اقصد انه يستمد أحكامه من الشريعة

اما المسألة الثانية وهي أن الحكم من أصول الدين فهذا موضوع طويل جدا سيفتح مواضيع فرعية انت عارفها كويس
فياريت نقفل النقاش فيه عند هذه النقطة وأكتفي بأنك شخصيا تعرف رأيي فيه

أما أن يكفر من ليس لهم إمام فهذه ليس من لوازم قولي أنه من أصول الدين وفرق بين الإثم وبين الكفر
وأنت تعلم أن الكثير من الواجبات الشرعية منوطة بالحاكم المسلم فإذا ترتب على عدم وجوده تفريط في هذه الواجبات فحكم هذا حكم تلك

وياريت يا محمد تتنازل وتقرأ كتاب الجويني كاملا إن لم تكن قرأته فهو نافع جدا إن شاء الله وليس مذهبيا


أنت تعلم أن حجم الموضوع كبيرا جدا وأخشى أن يطفش زبائننا فعلا لأن ليس كل أحد يرى أن ها وقت هذا النقاش ولكن أنت تعلم أنه وقته
:)

ابن حـجـر الـعـسـقـلانـى يقول...

سمعا و طاعة سيدى العزيز