السياق هو الجو العام أو القرائن والعلامات الذي يحيط بالكلمة أوالعبارة أوالنص أو الحدث.
أو قل هو شيء خارجي يظهر ظروف النص أو الحدث أو مرجعيته أو أهدافه.
موضوع السياق من المواضيع الهامة جدا في حياتنا وكثيرا لا نلتفت لها وأهميته داخله في مجالات متعددة وأنا أكتب هذا الموضوع كي ألفت الانتباه لأهميته .
أولا لابد أن يتضح لنا الفرق بين المعلومة والبيانات : فالبيان هو الرقم أو الكلمة أو الجملة أو التاريخ المجرد الذي تجرد عن سياقه ولا يتحول إلى معلومة إلا بمعرفة "السياق" فلو قلنا مثلا: 6 أكتوبر 1973 قد يكون هذا التاريخ هو تاريخ ميلاد أو تاريخ حرب 1973 يوجد معلومة إضافية أو قرينة توضح المراد بهذه العبارة وهو السياق إذن السياق يحول البيان إلى معلومة وكلما زادت معرفتك بالسياق كلما كان وضوح المعلومة أكثر.
وقد لفت الانتباه في تدوينة سابقة إلى أهمية تسجيل التاريخ مع الأحداث لأنه يعطي الأحداث سياقا تاريخيا يعطيها إيضاحا.
بل إن المعلومة نفسها وليس البيان قد تزداد قيمة إذا زادت تفاصيل ما تعرفه عن سياقها.
خذ مثلا هذه المعلومة : "جهز عثمان رضي الله عنه جيشا من ماله " هذه معلومة وأنت تأخذ منها علما وأثرا تربويا ولكن تزيد قيمة هذه المعلومة عندما تعلم أن هذا الجيش مثلا هو جيش العسرة زادت المعلومة قيمة وإيضاحا.
تطبيقات الاهتمام بالسياق كثيرة وهي في المجال اللغوي والشرعي والدعوي والمنطقي "البرمجي" والمعلوماتي أكثر شيء.
ففي المجال الشرعي مثلا :
وخاصة تفسير القرآن وفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هو هام جدا ولذلك اهتم العلماء بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وكلا العلمين هو من قبيل معرفة سياق الآيات وكذا ترتيب السور والظروف المحيطة بالأحاديث .
وإذا كان هذا الاهتمام هو ميزة فضده أيضا عيب كبير ومزلقة إلى الهلاك فاجتزاء النصوص الشرعية وفهمها بمعزل عن بعضها دون معرفة سياقها يؤدي إلى فهم ناقص عن عمد أو جهل وهو خطأ يقع فيه الكثيرون وأحيانا يتعمده الكثيرون لأغراض مختلفة أو تأويل خاطيء ومثله أيضا الفصل بين القرآن والسنة أو فهم القرآن بعيدا عن السنة بل وفهم كل النصوص بعيدا عن فهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعين وتابعيهم "خاصة" ومن تبعهم من العلماء عامة وذلك لأن هؤلاء فهموا سياق النصوص عن طريق معرفتهم بالأحداث المحيطة وخاصة الصحابة الذين صحبوا نبينا عليه الصلاة والسلام في كل أحواله.
والعكس بالعكس كلما ازداد معرفة السياق وربط النصوص ببعضها كلما اقتربت من الفهم الشرعي الصحيح بل والحفظ أيضا وهذا من التطبيقات أيضا:
سمع أعرابي رجلا يقرأ آية "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله" قال القاري "والله غفور رحيم" ولفهم الأعرابي للسياق علم أن هذه لا تصلح هنا رغم عدم حفظه للآية وورغم علمه أن الله سبحانه غفور رحيم قطعا ولكن السياق معتبر وهذه الجملة خارج السياق فقال الأعرابي أخطأت فتذكر الرجل الآية وقال "والله عزيز حكيم"
وهذا من تسهيل الحفظ أيضا التركيز على السياق وكثير من العلماء يربطون الحفظ بالتركيز على فهم السياق.
والذين يخرجون النصوص الشرعية عن سياقها لهم أعاجيب.
كاستخدامهم الدائم لآية "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وهي في المنافقين وعيد لهم.
واستخدامهم لآية "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" أو "وصوركم فأحسن صوركم" إلخ وإخراج النص الشرعي عن سياقه لا يجوز بل وينتج عنه عواقب وخيمة كاستشهادهم بآية "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" والتهلكة في سياق الآية القعود عن الجهاد.
وفي مجال المعلوماتية :
موضوع السياق هذا هام جدا لأن البيانات كثيرة ولا تأخذ قيمتها إلا من تحولها إلى معلومات بإضافة المزيد من التوصيف لها خذ مثلا رقم كارت صرف وهم يعتبرونه من أشد البيانات حساسية هذا الرقم لا يأخذ قيمته إلا بمعرفة أولا أنه رقم كارت صرف وهذا بيان إضافي وأيضا لابد من معرفة تاريخ الانتهاء واسم الشخص فإذا فصلت هذه البيانات عن بعضها فقدت قيمتها وإذا انضمت لبعضها تحولت إلى معلومة.
والاستفادة من هذا الأمر تكون بالتركيز عليه سلبا أو إيجابا حسب الرغبة.
طبعا في مجال الشرع واللغة لابد من التركيز عليه إيجابا بمعنى الاهتمام بمعرفة السياق وإيضاحه.
وفي مجال تعلم اللغات الأجنبية هذا الأمر هام جدا. إن كثيرا من الأصدقاء يشتكون من صعوبة تعلم المحادثة بلغة أجنبية والحقيقة أن هذا يزيد بالاهتمام بالسياق إنك إذا شاهدت مثلا إنسان يتكلم بلغة أجنبية ولا تعلم سياق الحديث قد لا تفهم كثيرا منه وهذا قد يحدث حتى لو سمعت حديث بلغتك أنت إن كثيرا من الكلام أصلا نحن نفهمه من سياقه وليس من تبين كل الكلمات والحروف حتى في لغتنا فتعلم اللغة هو اجتماعي وسياقي أكثر ويمكنك فهم ذلك إذا تمرنت على الاستماع لحديث تعرف سياقه جيدا أعني أن يكون في موضوع تفهمه مثل مجال تخصصك مثلا.
ويمكنك في حالة الرغبة في إخفاء بعض المعلومات الخاصة أن تخرجها عن سياقها أو تقسم المعلومة إلى بيانات مجردة.وارجع إلى مثال رقم كارت الصرف المذكور وهذا لا يعني أن هذا الاقتراح هو من وسائل الحماية ولكن أقول إن كثيرا من التصورات التي لدينا عن الخصوصية في هذا الأمر هي مبالغ فيها حيث أن كثيرا من المعلومات التي نخشى عليها إذا خرجب عن سياقها قد لا يكون لها قيمة.
إذن الخلاصة (الإنشائية):
- علينا الاهتمام بمعرفة السياق في فهم كلام الآخرين وخاصة الشرع الحنيف وكلام العلماء الأجلاء.
- علينا الاهتمام بكل الوسائل التي تساعد على إيضاح السياق للآخرين في حالة رغبتنا في تحسين التواصل (والعكس :)
- من وسائل التعايش الاجتماعي السليم هو معرفة السياق الذي تصدر عنه تصرفات الآخرين بل وأقول إنه من وسائل التربية السليمة
أذكر موقف طريف حدث أمس قال علي (4 سنوات) ابني لأمه أمس "أريد شعرية بالمخدرات" فانزعجت هي جدا ورددت أنا ضاحكا "بتحب الخضروات أكثر ولا نكهة الفراخ"
- أؤكد أيضا أن الصور رغم احتوائها على كم معلومات أكثر من الكلام إلا أنها إذا نزعت من سياقها قد تعطي دلالات خاطئة أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق