إنكار الذات هو نسبة الفضل لولي الفضل الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى وهو ثمرة المعرفة الحقيقية للعبد بنفسه ومعرفته بربه وثمرته التعبد لله سبحانه بالحمد والشكر أولا ثم إعطاء كل ذي فضل فضله من المخلوقين .
وهو عند الأنبياء والصالحين يتجلى في أبهى صوره عند لحظات انتصارهم ورفعتهم ويتجلى أيضا في لحظات ضعفهم وحاجتهم إلى خالقهم ومولاهم.
أنظر إلى حال يوسف عليه السلام بعد تلقيه من ربه النعمة تلو النعمة ثم إتمام هذه النعمة بالتئام شمل أسرته ومعرفة كل مخطيء في حقه بجريرته أضف إلى ذلك تقلده الحكم وسجود الجميع له
"رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السموات والأرض انت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين" فالذي أوتيه هو جزء من الملك والذي أوتيه من علم التأويل هو جزء منه وهو لا ينفك عن الحاجة لربه الذي مآله إليه وليه في الدنيا والآخرة "توفني مسلما وألحقني بالصالحين" فهذا الشرف وهذه الرفعة هي متاع الحياة الدنيا والشرف الحقيقي هو التقوى.
أنظر إلى حال سليمان عليه السلام حين إحساسه بنعمة الله عليه من فهمه كلام النمل
"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"
وانظر إلى حاله أيضا عليه السلام لما رأى عرش بلقيس مستقرا عنده لم يقل ها أنا فعلت ذلك بقوتي وأعواني "قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر"
ومن شكر فإنما يشكر لنفسه وكفر فإن ربي غني كريم" غني عن كل أحد ولا يحتاج إلى أحد وهو كريم هو المعطي سبحانه.
وقال أيضا عليه السلام "وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين"
وقال الله عز وجل عنه وعن أبيه داود عليهما السلام "ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين"
وبعد أن ورث سليمان أباه أعلنها صريحة "وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين"
لم يقل لدي علم منطق الطير ولدي من كل شيء وحاشاه
وهذا منتشر في القرآن وخاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام كان يقول "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد"
وكان يقول "لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"
وأنظر إليه عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة يوم انتصاره ورفعته وهو داخل على ناقته مطأطيء رأسه تكاد تمس عنق ناقته
وكما قلت أن هذا يورث أيضا اللجوء إلى الله وانظر إلى موسى عليه السلام حين قال "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" أي يارب أنا أحتاج إلى الخير الذي أنتظره منك لم يقل أنا قادر على الخروج من ذلك المأزق بحسن إدارة الأزمة أو التخطيط السليم أو ما أشبه مما نسمعه ولانراه
وحين سئل موسى عليه السلام عن أعلم أهل الأرض أجاب بشكل مباشر عن ننفسه أنه أعلم أهل الأرض ولم يرد العلم لله وهو كان صادقا في قوله علمه الله عن طريق الخضر عليه السلام أن علمه وعلم موسى عليه السلام في علم الله كما يأخذ العصفور بمنقاره من البحر وعلمه أيضا أن الخضر عليه السلام على علم من علم الله ولم ينسب العلم لنفسه لا يعلمه موسى وأن موسى على علم من علم الله لا يعلمه الخضر والخلاصة العلم كله من الله
وينبهنا الله إلى ذلك بقوله "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " ثم قال بعدها "ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلى الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون" فهذا هو الدرس متكامل أنتم خلقتم بدون علم ورزقكم الله أدوات العلم وتعلمتم وثمرة هذا العلم الشكر ولكم عبرة في الطير يطير ما يمسكه إلا الله.
والأمثلة على ذلك كثيرة من قصص الأنبياء ومن تبعهم بإحسان وغرضي التنبيه على هذه الصفة وستجدها كلما قرأت عنهم في القرآن أو السنة أو الآثار فانتبه لها وتمثلها.
وعلي النقيض من أولياء الله أنظر أعداء الله وعلى رأسهم إبليس نسب العلم لنفسه فكان سبب هلاكه الأبدي على نقيض الملائكة الذين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.
وقارون قال :إنما أوتيته على علم عندي" فكان الجواب فخسفنا به وبداره الأرض جزاء الرفعة المدعاة أسفل سافلين من الانحطاط
هناك تعليق واحد:
فعلا . فإنها لنقاط هامة أن توضع في حسبان كل من يعمل من اجل الله ولوجه أن يبتعد ‘عن رؤية النفس والإعجاب بأفعالها حتي يمكنه ذلك من السير في الـجاه الذي اراده لها
جزاك الله خيرا يا استاذنا
إرسال تعليق