الجمعة، يناير 19، 2007

صدام والشعر

قال ودود شمس الدين أحد محاميي صدام ان صدام اخذ يلقي قصائد تتحدث عن الفروسية والتحمل والبطولة والجهاد، قائلا انه اتم تلاوة القرآن ثماني مرات خلال شهر رمضان (وكان هذا في آخر يوم قبل إعدامه)


أعجبتني جدا هذه المقولة فالقرآن وقود الإيمان والصبر ثم إن شعر الفروسية والأخلاق يحفز إلى التمثل بالقيم العليا التي قد يكون صاحب الشعر مدعيا لها ولكنها تصور الكمالات في ألفاظ رصينة وتحفز على الاقتداء به فيها
بل قد يكون هذا الشعر وقودا لقائله نفسه أن يحاول التمثل بصفات ادعاها وليست فيه

في أول جلسة لمحاكمة صدام كتب بيتين من الشعر في كراسته
اشمخ عزيزا مهرك البارود... وان تعثر الزمان يعود...
عزمنا للدهر نيرانا مخبأة... اخدود في الوغى يتبعه اخدود...
يدعو الى الصمود ويؤكد ان المهر لهذه العزة والكرامة المفقودة لايكون الا بالبارود وان اعترضك شيء جانبي وجعلك تتعثر فلا بد ان الزمان يدور دورته ويعيد التاريخ نفسه ثانية وان الحرب طويلة وليست قصيرة
وله قصيدة
أطلق لها السيف لاخوف ولاوجل... أطلق لها السيف وليشهد لها زحل
وبغض النظر عن جودة شعره من عدمها فهي تعبر فقط عن حاله ونفسيته ومقصدي من هذه التدوينة هو هذا: أن الشعر دافع للثبات والتخلق بالمثل العليا وهو كالكلام حسنه أحسن من الكلام وقبيحه أقبح من الكلام لأنه احتوى على عنصر تأثير زائد عن الكلام العام وهو التحسينات الشعرية
أنظر إلى المتنبي وقد قال
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
ولما هاجمه قطاع الطرق لقتله فر فذكره خادمه بها فعاد فقاتلهم حتى قتل فدفعته إل التخلق بالخلق الذي ادعاه من الشجاعة
أنظر إلى قول معن بن أوس
لعمرك ما أهويت كفي لريبة ..... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ..... ولا دلني رأي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر ..... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ..... و أوثر ضيفي ما أقام على أهلي
و أعلم أني لم تصبني مصيبة ..... من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
من منا لا يتمنى أن يقول هذه الأبيات عن نفسه صادقا فيها على سبيل الكمال: التنزه عن الفواحش والمنكرات بالسمع والبصر والفكر والنظر واليد والرجل والصبر على الشدائد وحسن الإيثار للأهل وذوي القرابة والضيف أمل جميل لو تمثلناه وقد تمثله عروة بن الزبير وكان يتمثل بهذه الأبيات وقد قطعت رجله ومات ولده وقال الناس ما أصابه ذلك إلا بذنب عظيم

اقرأ في الزهد لابن العتاهية
لدوا للموت وابنوا للخراب، *** فكلكم يصير الى تباب
لمن نبني ؟ ونحن الى تراب *** نصير، كما خلقنا من تراب
الا يا موت، لم ار منك بدا *** اتيت وما تحيف وما تحابي
كانك قد هجمت على مشيبي *** كما هجم المشيب على الشباب

واقرأ في الأنفة وعزة النفس ومكارم الأخلاق لامية العرب للشنفرى وهي عظيمة
أديـم مطـال الجـوع حتـى أميتـه ..وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهـل
وأستـف ترب الأرض كيلا يرى لـه.. علـي من الطـول امـرؤ متطـول
ولولا اجتناب الذأم لم يلـف مشـرب .. يعـاش بـه إلا لـدي ومأكـل
ولكن نفسـاً مـرةً لا تقيـم بـي ..علـى الـذام إلا ريثمـا أتحـول
يتحدث عن نفسه ربما صادقا وربما كاذبا ما أجمل لو كنت أنا بهذا الكمال وهذه الأنفة والنفس المرة التي لا تسمح لي بالبقاء على أمر يستوجب الذم إلا بقدر ما أتحول عنه إذا أحسست باقترابه وأستف التراب خير لي من أن يرى أحد له فضلا علي وفيها أبيات كثيرة رائعة أعرض عن ذكرها لكي لا أدخل في شرح غريب ألفاظها

اقرأ قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يحفز نفسه وقد رأى من نفسه تهيبا يوم غزوة مؤته فكسر غمد سيفه وقال والله لا أعود إلى الدنيا
أقسمت يا نفس لتنزلنه
لتنزلنه أو لتكرهنه
إن أقبل الناس وشدوا الرنة
مالي أراك تكرهين الجنة
هل أنت إلا نطفة في شنة
رضي الله عنه هل أنت يا نفس إلا قطجرة في طوفان
انظر إلى هذا الحوار بين عمر بن الخطاب وأعرابي جاء يسأله
يا عمر الخير جزيت الجنه
اكس بنياتي وأمهنه
وكن لنا من الزمان جنه
أقسم بالله لـتفـعـلنه

فقال عمر رضي الله عنه: فإن لم أفعل يكون ماذا؟
فقال الأعرابي :

إذاً أباحفص لأذهبنه
فقال عمر رضي الله عنه : فإذا ذهبت يكون ماذا؟
فقال:

يكون عن حالي لتـسألـنه
يوم تكون الأعطيات هنه
وموقف المسؤول بينهنه
إما إلى نار وإما جنه

فأعطاه عمر قميصه ولا يملك غيره ودخل داره وهو يقول وموقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما جنه فهو لم يعطه لجودة شعره أو مكافأة لمدحه بل لأنه اتعظ بوعظه وسهل الشعر دخول هذا الوعظ إلى قلبه

انظر الى تمثل الإمام أحمد رحمه الله بهذين البيتين

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسين الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
فدخل داره وأغلقها وظل يرددها
وتكملتها
لهونا لعمر الله حتى تتابعــت.. ذنوب على آثارهن ذنــوب
فياليت ان الله يغفر ما مضـى ..ويأذن في توباتنـا فنتــوب