مشاركة جديدة من أيمن1
=====================================
لا أتذكر إن كان الوقت ظهرا أو عصرا و لكنه كان نهارا, و النهار عندنا معشر الصغار هو وقت فعل أي شيء في شارعنا الضيق والطويل جدا بالنسبة لنا كنت ألهو وحدي أو مع بعض أترابي لا أتذكر ذلك أيضا لان ما حدث يومها حجب عن ذاكرتي تلك التفاصيل غير المهمة ، صوت إمرأة تستغيث على الطريقة التي تتقنها نساء منطقتنا الشعبية – يا لهوتييييييييييي يا لهوتيييييييييي ألحقوني يا ناااااااااااس إبنيييييييييييييييييي يا لهوتيييييييييييييييييييييييييييييييييييييي – كان الصوت كافيا لان تنشق أبواب المنازل المتلاصقة و المتراصة في تجاور حميم عن عدد لابأس به من شباب الشارع – معظمهم الآن على مشارف الكهولة – و فجأة وجدت نفسي كالقرد الصغير في فيلم طرزان عندما اندفع نحوه قطيع الأفيال الهارب و هو يحاول أن يتفادي الوقوع تحت أقدامها اللاهثة – و لكن قطيع الأفيال هنا كان أحرص مني على ألا يطأني مما اتاح لي الفرصة للالتصاق بالحائط و مشاهدة المنظر برؤية الكاميرا العينية
أطوالهم الفارعة بالنسبة لي بدت أكثر طولا ، ملامح وجوههم المضطربة و القلقة كانت أكثر وضوحا – الصوت ده من بيت مين؟ ، دا من بيت الشيخ سعد – تلك العبارات سمعتها يتبادلونها بينهم و هم يركضون ، ما زلت أتذكر صوت أرتطام أقدامهم القوية بأرض الشارع الترابية أثنا ركضهم – بعد لحظات عادت قافلة المنقذين و قد علت وجوههم ابتسامة عريضة كانت بشيرا لي بزوال الخطر عن شارعنا او عن الجارة التي استغاثت منذ قليل ، و حتى يومنا هذا لم اعلم سبب الاستغاثة أو نوع الخطر الذي راودته نفسة بالاقتراب من شارعنا ولم يعمل حساب قوة الردع السريع الموجودة خلف أبواب المنازل المتلاصقة . – أولئك الشباب خرجوا من بيوتهم بمجرد سماع الصوت و لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن مصدره أولا- فمعرفة الاتجاه دون المصدر كانت تكفي للانطلاق، المشهد كله أتذكر تفاصيله التي حكيتها و قد مر عليه من الزمن أكثر من خمسة و عشرين عاما .
يوم من شهر رمضان قبل الإفطار بساعة - ، اركب دراجة والدي ألهو بها لحين موعد الإفطار – الميدان مزدحم بكافة أشكال السيارات و البشر- ، كائن أسطوري طويل القامة عريض الكتف يجري مسرعا بين السيارات المتوقفة في خط متعرج رسمته الفجوات بين السيارات , لفت انتباهي له انه كان يعدوا مضطربا ، دخل أحد الشوارع المتفرعة من الميدان – لحظات و ظهر بين السيارات كائن آخر أقل طولا و حجما و سرعة – كان أدنى من الكائن السابق في كل شئ – بدا واضحا أنه يطارد الكائن الأول و قد خرج صوته متحشرجا ضعيفا – حرامييييييي ، حراميييييييي – كنت صغير السن دون العاشرة و لا أعلم ما الذي دفعني للاستدارة بدراجتي و الاندفاع خلف ذلك اللص الأسطوري و بعد أن انطلقت بالدراجة لم يكن هناك بد من استمرار المطاردة على أمل أن يلحق بي أحدهم و يخرجني من تلك الورطة التي وضعت نفسي فيها – شارع طويل جدا من الشوارع التي تكثر في منطقتنا يربط بين حيين – اللص أمامي و أنا أعدو بدراجتي خلفة – الشبشب البلاستيك انقطع و أنا أبدل بالعجلة – مش مهم ، أدركت أنني اصبحت دليل المطاردين في معرفة مسالك المجرمين
شاب دون العشرين واقف على باب منزله و أمه العجوز تفترش الأرض بجواره – يرتدي عباءة من القماش الخفيف نصف كم – كان الوقت في عز الصيف – في إيه ياله – قالها صائحا – لم أزد على قولي – حرامي- ، كان الحرامي قد مر عليه و هو يعدوا و أنا خلفه أقود الدراجة بسرعة جنونية بالنسبة لصبي – كانت كلمة حرامي هي إشارة الانطلاق لذلك الشاب – من الصفر إلى مائة كيلو في ثلاث ثوان سبقني و أنا راكب العجلة – زي الفورميولا ون – مرة أخرى اتابع المشهد بعين الكاميرا المحمولة على الدراجة المسرعة – اللص كان يتفوق على الشاب في كل شئ طول بعرض – الشاب قصير القامة نحيف جدا – عند ركضه انتفخت عباءته الخفيف بالهواء خاصة أنه رفع أطرافها فوق ركبتيه – ظهرت سيقانه النحيلة و كان أعلى ركبته مماثل لقصبة رجله – و لكنه كان سريعا جدا – اللص أمامه على بعد خطوتين او ثلاث بالضبط – معركة غير متكافئة- الشاب يطير في رشاقة يحسده عليها راقص باليه محترف – اصبحت قامته متساوية مع قامة اللص – إذا أخذنا في الاعتبار مساحة الفراغ تحت الشاب الذي طار في الهواء – يده النحيلة بدت كمطرقة قوية عندما سقطت على وجه اللص سمعت بعدها صوت طرقعة – تراااك – بدت لي أصابع الشاب و كأنها سياط سودانية تلهب ظهور العصاة – سقط اللص على الأرض من ضربة واحدة قاضية – التفت خلفي وجدت ما يصلح لأن يكون نواة لجيش التحرير – بعضهم مسلح بالعصي و كلهم مسلحون بشهامة ولاد البلد – اقتادوا اللص لنقطة الشرطة -
أبي و أمي حفظهما الله يترحمان على أيام زمان – أبي في السبعين و أمي تجاوزت الستين - ، أنا الآن مثلهما أترحم على أيام زمان و أنا في الثلاثين !!!!! – سبحان الله هل تغير مجتمعنا بهذه الدرجة في ذلك الوقت القصير – عاش أبي اكثر من خمسين عاما على الأقل قبل أن يبدأ المجتمع و الناس في التغير– اما أنا فقد أصبحت شيخا مثل أبي لكني شيخ في الثلاثين عشت أياما جميله أترحم عليها .
أشد ما يحزنني أن أحدا من اولادي الصغار لن تكون له ذكرى جميله كالتي عشتها – ذكرى مجتمع كان الكل فيه يهب لنجدة المكروب .
كنت زمان ألاحظ في أخبار الحوادث عبارة ثابتة – و تمكن المارة من اللحاق به و اقتادوه لقسم شرطة كذا – الآن اختفت تلك العبارة ،
أصبحنا نقرأ في الجرائد – و قد أتت النيران على كل محتويات الشقة – الله يرحم أيام زمان كانت المطافي تيجي تعمل المحضر بس أما إطفاء الحريق فكان مهمة أولاد البلد .
ألم أقل لكم أيام زمان جاءتنا مبكرة !!!!!!!!!
هناك 4 تعليقات:
ههههه
ما شاء الله يا استاذنا عصفور
مقال مضحك مبكي
كنت شهم وانت صغير طب والوقتي؟؟
مفتكرشي انك هتتغير كتير لان من شب على شئ شاب عليه
انا اذكر موقف مشابه لموقفك بس كان في حريقة بتولع في بيت احد الجيران من زمان
وانا كنت عبده الشيال (اللي بيشيل الميه للانفار اللي بيطفوا)
بالمناسبة دي بقترح انشاء رابطة المدونون الشهماء
مش شهماء برضه جمع شهم؟؟
حقيقي انا مخالف لوجهة نظرك لان النبي -ص- قال : (الخير في وفي امتي الى يوم القيامة)
مش لازم يكون الخير في اللحاق بلص او بتطفية حريقة بس..لان البعض ..بل الكثير ممكن يبقى جبان
لكن على كل
مبروك بعودتك للكتابة لاني لاحظت ان حضرتك كنت متوقف لفترة طويلة شوية
تحياتي
ما شاء الله المدونة أصبحت ملتقي أدبي رائع :)
أسلوب ممتاز في السرد الواحد حس انه كان بيجري ورا الحرامي هو كمان :)
بمناسبة الحرائق مرة كان في حريقة في منور عمارتنا وبسرعه كان كل أهل العمارة في الشارع أمامها رجالا ونساء وأطفالهم
بدأنا باطفاء الحريق باسلوب جرادل المياه طبعا دي بتحتاج حد يملي وحد يجري يناول وواحد يطفي
اللي يغيظك انه كان في ((رجاله)) -واحد منهم اللي ولاده كانوا سبب الحريق أصلا- كانوا واقفين مع النساء بانتظار انتهاء فرقة الاطفاء الاهليه من عملها ...
مش عارف ازاي !!!
بس بشكل عام الزمن الحالي في مواقف متقدرش انك تخدم فيها مثلا واحد واقف علي الطريق السريع بيشاورلك بالليل -أو حتي بالنهار- أو عربيته عطلانه مثلا , تقدر تقف له ؟ واش ضمنك انه ميطلعش قاطع طريق او نصاب والقصص معروفه...
هي قاعدة معروفه طول ما مفيش دين مفيش أمن ولا أمانه
ربنا يرحمنا
والسلام.
بمناسبة الحريق الذي كان في عمارتكم
علمت أنكم دفعتم مبلغ ألف جنيه محضر للمطافي مع أنكم أنتم من أطفأه
فعلا ده حصل .. ال ايه غرامة(للاهمال)!!
مع انه طبعا -كما هو معروف- المطافي وصلت بعد ما الحريقة موتناها وشبعت موت
إرسال تعليق